سورة التكوير - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التكوير)


        


{فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس} أي الكواكبِ الرواجع مِنْ خَنَسَ إذَا تأخرَ وهيَ ما عَدَا النيرينَ منَ الدَّرارِي الخمسةِ وهيَ بهرامُ وزُحَلُ وعُطَارِدُ والزُّهْرَةُ والمُشتَرى وُصفتْ بقولِه تعالَى: {الجوار الكنس} لأنها تَجْري مع الشمسِ والقمرِ وترجعُ حتَّى تختفي تحتَ ضوءِ الشمسِ فخنُوسها رجوعُها وكنوسُها اختفاؤُها تحتَ ضوئِها من كنسَ الوحشُ إذا دخلَ كُناسَهُ وهو البيتُ الذي يتخذهُ من أغصانِ الشجرِ وقيل هي جميعُ الكواكبِ تخنِسُ بالنهار فتغيبُ عنِ العُيونِ وتكنسُ بالليل أي تطلعُ في أماكنِها كالوحشِ في كُنُسِها.


{واليل إِذَا عَسْعَسَ} أي أدبرَ ظلامُه أو أقبلَ فإِنَّه منَ الأضَّدادِ وكذلكَ سعسعَ قالَ الفراءُ أجمعَ المفسرونَ على أنَّ معنى عسعسَ أدبرَ وعليه قولُ العَجَّاجِ:
حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ تَنفَّسَا *** وَانجَابَ عنَها ليلُها وعَسْعَسَا
وقيلَ هيَ لغةُ قريشٍ خاصَّة وقيلَ: مَعْنى إقبالِ ظلامِه أوفقُ لقولِه تعالى: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} لأنَّه أولُ النهارِ وقيل: إدبارُه أقربُ من تنفسِ الصبحِ ومعناهُ أنَّ الصبحَ إذَا أقبلَ يقبلُ بإقبالِه رَوحٌ ونسيمٌ فجعلَ ذلكَ نفساً لَهُ مجازاً فقيلَ تنفَّسَ الصبحُ. {أَنَّهُ} أي القرآنَ الكريمَ الناطقَ بما ذُكِرَ من الدَّواهِي الهائلةِ {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هو جبريلُ عليهِ السَّلامُ قالَه من جهةِ الله عزَّ وجلَّ {ذِى قُوَّةٍ} شديدةٍ كقولِه تعالَى {شَدِيدُ القوى} وقيلَ المرادُ القوةُ في أداءِ طاعةِ الله تعالَى وتركِ الإخلالِ بَها من أولِ الخلقِ إلى آخرِ زمانِ التكليفِ {عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ} ذِي مكانةٍ رفيعةٍ عندَ الله تعالى عنديةَ إكرامٍ وتشريفٍ لا عنديةَ مكانٍ {مطاع} فيما بينَ ملائكتِه المقربينَ يصدرُون عن أمرِه ويرجعونَ إلى رأيه {ثَمَّ أَمِينٍ} على الوَحْي، وثمَّ ظرفٌ لما قبَلهُ وقيلَ: لما بعدَهُ. وقرئ: {ثُمَّ}، تعظيماً لوصفِ الأمانِةَ وتفضيلاً لها على سائرِ الأَوْصَافِ {وَمَا صاحبكم} هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم {بِمَجْنُونٍ} كما تبهتُه الكفرةُ والتعرضُ لعنوانِ المصاحبةِ للتلويحِ بإحاطتِهم بتفاصيلِ أحوالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خبراً، وعلمُهم بنزاهتِه عليه السَّلامُ عمَّا نسبُوه إليهِ بالكليةِ. وقد استُدلَّ بهِ على فضلِ جبريلَ عليِه عليهما السَّلامُ للتباين البينِ بين وصفيهما، وهو ضعيفٌ إذِ المقصودُ ردُّ قولِ الكفرةِ في حقِّهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. {إنما يعلمه بشرٌ} {أفترى على الله كذباً أم بهِ جِنَّة} لا تعدادُ فضائلِهما والموازنةُ بينهُما.


{وَلَقَدْ رَءاهُ} أي وبالله لقد رأى رسولُ الله جبريلَ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ {بالأفق المبين} بمطلعِ الشمسِ الأَعْلى {وَمَا هُوَ} أي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم {عَلَى الغيب} على ما يخبرُه من الوَحْي إليهِ وغيرِه من الغيوبِ {بِضَنِينٍ} أي ببخيلٍ لا يبخلُ بالوَحْي ولا يُقصِّرُ في التبليغ والتعليمِ. وقرئ: {بظنينٍ} أي بمتهمٍ من الظنة وهي التهمةُ {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شيطان رَّجِيمٍ} أي قولِ بعضِ المُسترقةِ للسمعِ وهو نفيٌ لقولِهم إنَّه كهانةٌ وسحرٌ. {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} استضلالٌ لهم فيما يسلكونَهُ في أمرِ القرآنِ والفاءُ لترتيبِ ما بعدَهَا على ما قبلَها من ظهورِ أنَّه وحيٌ مبينٌ، وليسَ ممَّا يقولونَ في شيءٍ كما تقولُ لمن تركَ الجادَّةَ بعدَ ظهورِها هذا الطريقُ الواضحُ فأينَ تذهبُ {إِنْ هُوَ} ما هُو {إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} موعطةٌ وتذكيرٌ لهم. وقولُه تعالَى {لِمَن شَاء مِنكُمْ} بدلٌ من العالمينَ بإعادةِ الجارِّ.
وقولُه تعالَى: {أَن يَسْتَقِيمَ} مفعولُ شاءَ أيْ لمَنْ شاءَ منكُم الاستقامةَ بتحرِّي الحقِّ وملازمةِ الصوابِ. وإبدالُه منَ العالمينَ لأنَّهم المنتفعونَ بالتذكيرِ {وَمَا} أي الاستقامةَ مشيئةَ مستتبعةَ لها في وقتٍ من الأوقاتِ {تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله} أي إلا وقتَ أنْ يشاءَ الله تعالَى تلكَ المشيئةَ أي المستتبِعة للاستقامةِ فإن مشيئتَكُم لا تستتبعُها بدون مشيئةِ الله تعالى لها {رَبّ العالمين} مالكُ الخلقِ ومربيهم أجمعينَ. عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «منْ قرأَ سورةَ التكويرِ أعاذَهُ الله أنْ يفضحَهُ حينَ تُنشرُ صحيفتُه».

1 | 2